عرس الجزائر

تتنّوع أشكال الأفراح (الأعراس) في الجزائر، فبينما لا تزال بعض العائلات تقيم أفراحها داخل المنازل أو على سطوحها، يفضّل الكثير تأجير الصالات، فيما يستنجد فريق ثالث بالهواء الطلق على طول الشوارع والساحات الرحبة، وأخيرا الأعراس المقامة في الأرياف..
ولكنها تتشابه جميعا في مظاهرها وطقوسها، وسط إرهاق مادي ونفسي أصبح يميز أعراس هذا الزمان في الجزائر.
صورة من أحد الأفراح الشعبية في الجزائر اخترت نقل مشاهده لكم عملياً من خلال فرح صديقة لي..
ثلاثة أيام
اسمها نوال23سنة، وهي مهندسة في الإلكترونيك تقطن بحي القبة الشعبي، عقد قرانها في فبراير الماضي على كمال،33 سنة، وهو جارها بالحي، ومن يومها وهما بصدد تحضير عرسهما اللذان اختارا له تاريخ الخميس 31 مايو 2007..
العرس في الجزائر تتكلّف كل لوازمه ما بين 10 آلاف و15 ألف يورو، ويجب أن يتم حفل الزفاف حصراً في يوم معيّن في الأسبوع، والشائع هو الخميس، بيد أنّ طقوسه تمتدّ لنحو ثلاثة أيام وتنتهي ليلة الدخلة، مع الإشارة أنّ موجبات إقامة العرس في القاعات تفرض أحيانا تنظيم الزفاف يوم الاثنين أوالثلاثاء وكذا الأربعاء، وقد تلاحظون أنّ الإحتفال بهذه الطريقة مع إقامة الولائم مكلف، ما يجعل الأعراس في الجزائر باهظة التكلفة مقارنة بما يحدث في دول الجوار.
كانت نوال كما هو الحال بسائر أفراح الجزائر، طبعته طقوس متوارثة، فاعتبارا من يوم الثلاثاء اجتمعت صديقات نوال، وتناولن الغداء عندها، ثم احتفلن بالرقص والغناء ووضع الحناء (الحنة)، علما أنّ ال**** تضع حنة خفيفة لأن يوم الحنة الكبير هو اليوم الذي يسبق العرس.
وبعد مراسم الحنة – الصغيرة- تقوم صديقات ال**** بإكمال تجهيز (الشورى)، والذي يعني جهاز ال**** التي اهتمت بإعداده، حيث تبدأ الفتاة في تحضير جهازها منذ سن مبكرة، تبعا لما يمثّله من دلالة مهمة على المكانة الإجتماعية والإقتصادية لأهل ال****.
بعد احتفالات الثلاثاء، تأتي طقوس يوم الأربعاء، ففي هذا اليوم أتى العريس مع أهله في موكب سيارات إلى بيت ال**** ظهرا، وال**** ارتدت في ذاك اليوم ملابس تقليدية يطلق عليها "الكاراكو" و"الشدّة"، وفي أجواء احتفالية تميّزها الزرنة والدربوكة، قامت والدة العريس بوضع الحنة لل****، بينما عكفت المدعوات على ترديد طقطوقات تقليدية من قبيل:
لا لي لا لي لوما لال ........ لا لي لا لي لوما لال
دور بيها يا الجيلالي دور بيها.... دور بيها عليك وعليها
اهنا لهيه اهنا خير ما لهيه...... دايمن الخير اهنا ولهيه
بعدها قدّمت والدة العريس الهدايا لل**** وألبستها الذهب، ثم بعد ذلك تمّ تقديم الغداء والحلوى والقهوة والشاي، قبل أن يجرى ليلا التخلص من بقايا حنة ال**** المتبقية.
وهذه المراسم تكون جدّ حساسة ليس في عيون العائلتين، ففي التراث الجزائري يتخوف من إقدام شخص لا يحبّ الخير لل****ين خلسة على تحضير نوع من الحنة (المسحورة) التي تفرّق بين العريسين وتدمّر حياتهما إلى الأبد، وطالما أنّ السحر الذي يتم تحضيره بهذه الطريقة، جدّ خطير وفتاك، فإنّ أهل ال**** يهتمون بكل ذرة حنة، وللتخلص من الحناء المتبقية يقوموا بوضعها تحت صنبور الماء حتى تتفتت.
الدخلة .. استعراض وإرهاق
يوم الخميس هو يوم العرس، وكل شيء يتّم في هذا اليوم الاستعراضي المرهق، كما درجت العادة، حيث يُعد أهل العريس وليمة عامرة للرجال في وقت الغداء، وعادة تكون الكباش في صدر المائدة..
في حدود الثانية ظهرا، انطلق موكب كبير من السيارات يضمّ العريس مع أفراد عائلته ليصطحبوا ال**** وأهلها، وعلى إيقاع أبواق السيارات وزغاريد النسوة المتواصلة وصل الموكب إلى المكان المقصود، وهناك صبّت أكواب العصير والقهوة والحلوى، قبل أن يتولى والد ال**** حمل الأخيرة وإركابها سيارة مرسيدس فاخرة أعدّت مسبقا لنقلها إلى بيت شريك حياتها، وبالتزامن يتمّ إخراج (الشورى) من البيت بشكل إستعراضي ووضعها في سيارات بيك آب مفتوحة ونقلها إلى منزل العريس.
بعد قليل، وصل الموكب إلى منزل العريس، حيث أقيمت هناك ما يعرف محليا بـ"التصديرة"، هذه الأخيرة قامت فيها ال**** نوال بروب ال**** الأبيض البديع وتاجها الناصع، باستعراض ما حملته في جهازها من فساتين وقماش، واحتفلت النساء بالمناسبة، عن طريق تقديم الحلوى والعصير وترديد أغاني على منوال ما تقدّم ذكره، مع الإشارة أنّ التقاليد تفرض على ال**** الجزائرية أن ترتدي أكثر من ستة أثواب ‏واغلبها تمثل ثقافة وتقاليد الأسر الجزائرية، من الألبسة هناك "الجبة ‏العاصمية" و"جبة قبائل" و‏"قندورة الفرقاني" و"ملحفة شاوية".
‏
قرب البيت، وفي مكان منفصل زيّن بمنصة خاصة وبأضواء مبهرة، جلس العريس الذي ارتدى بذلة زاهية ليجرى تعطيره بأجود العطور، وانخرط في احتفال مع أصحابه بحضور فرقة موسيقية على أنغام الـ(دي جي)، ومثلما تنص عليه التقاليد قام أحدهم بتحنية الخنصر الأيمن للعريس.
في حدود الثامنة مساءا، انصرف ال****ين على متن إحدى السيارات إلى ُنزل الأمير، حيث يجرى هناك ليلة دخلتهما، والسرّ في هذا السلوك، هي رغبة العريسان الهروب من الضغط النفسي، فطالما شكّلت هذه الليلة استنزافا يشعر معه العرسان أنهم أمام عبء ثقيل.
صباحية "الباروك"يوم الجمعة زار العريسان وجوباً أهل ال**** للمباركة، وحملا معهما الهدايا، فيما طهت والدة ال**** لهما وجبة الغداء، وهو ما يطلق عليه محليا "الباروك" وهو لفائف من العجين تحشى باللحم وقطع الدجاج، ويقدم الباروك حتى يبارك الله في مشوار الزوجين ويجعلهما وفيان لبعضهما أبد الحياة.