#1
|
||||||||
|
||||||||
أصـحـآب ألـجــنــة .... !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أصحاب ألجنة تنفس الصباح ،وهبت نسائمة هنية ناعمة وأقبل الشيخ وئيد الخطو ، ولم يكد حاجب الشمس يبدو حتى كان يدق بعصاه باب حديقته في (ضروان) وكانت حديقة الشيخ جنة دانية القطوف ، فوأحة الزهر ، قد رقت حواشيها وتأنق و اشيها ، وجرى الماء في جداولها عذباًً سلسالاً، وتنقل النسيم بين خمائلها بليلاً دانياً ، وعلى بساطها نشر الربيع حلله ومطارفه ، وحاك أزهاره وأنواره . وفيما وراء ذلك أشجار موفورة الثمار ، وبقل وأعناب وزرع ونخيل ، صنوان وغير صنوان ، فغدت متعة الناظر ونزهة الخاطر ، واتخذها الناس مثابرة وأمناً ، لهم تحت أشجارها ظلٌ ومقيل ، وبين أفيائها سمر وحديث .. ودار الشيخ في جنباتها ، ونتقل بين زرابيها وأنماطها ، فنشق من شذا الأزاهير ، وامتلأت عينه بدانى الثمار ، وأصغت أذناه الى تغريد البلابل وتطريب الأطيار ، ثم ذهب الى مصلاه فسجد شاكراً لله أنعمه ، راغباً اليه أن يجنبه طغيان الغنى ، وأن ينئيه عن فتنة الدنيا و و سوسة الشيطان . وتلك كانت عادة الشيخ مصبح كل نهار ، ثم يتعاقب الجديدان وتتوالى عشيات وأصول حتى يرى الجنة ، وقد آتت أكلها ، وأذان حصادها فيدعو البستاني وأعوانة ، ويعملون المناجل ، ويقطفون الثمار ، ثم يفدُ اليه جماعات الفقراء على ما عودهم من كل عام ، فيعطيهم نصيبهم وافراً ، هذا يملأ مكتله ، وذاك يحمل في ثيابه ، ولهم بعد دلك ما أخطاه المنجل ، وما تركه الحاصد ، وما نتاثر بين الأشجار رزقاًحلالاً طيباً. وجرى على هذا في كل عام ، ام يطق أبناء الشيخ صبراً: أن رأوا مال أبيهم موزعاًعلى الفقرء ، وبستانه مستباحاً للمساكين، وأنهم والعافين والسائلين سواء ، بل ربما كان هؤلاء أحسن منهم حالاً ، وأكثر بالجنة استمتاعاً . قال قائل منهم :انك يا أبي بما تنفق على الفقراء وتعطي ، وما تخصهم بما من بذل ورفد لتبخسنا حقنا ، وتضيق علينا في رزقنا . وقال غيره : وانك يا أبتِ لو مضيت في شأنك هذا ..فانك سوف لا تبقي مالاً ولا نشباً ، وسوف لا تخلف ضرعا ًولا ثمرأً ، وسنغدو بعدك فقراء نمد الأيدي ونتكفف الناس . وهم ثالث بالكلام ، فأشار له بلصمت ، وأدار عينيه في وجوه الجميع وقال : ما أراكم الا خاطئين في الوهم والتقدير ، ما هذا المال الذي تريدون أن تتحكموا به و تستأثروا به !! ليس المال مالي أو مالكم ، وهذا البستان ليس في حوزتي أو حوزتكم ، انما هو مال الله مكنني وآمنني عليه ، على أن أتفقه في أكرم وجوهه ، وأنفها لخلقه ، فللفقراء و المساكين حقهم ، ولأبناء السبيل والعافين نصيبهم ، والطيور والهائم طعامهاً ، وما فضل بعد ذلك فهو لي ولكم .. وذلك مافعلته وعودته الفقراء ، وأنفذت فيه حكم الله ، والمال بهذا يزكو وعلى هذا النحو من الانفاق يزيد ، وتلك خطة درجت عليها شاباً طرياً والتزمتها رجلاً كهلاً ، فكيف بي أن أتركها اليوم شيخاً هماً فانياً !! على رسلكم فها أنتم أولاء ترون شعري قد اشتهب ، وجسمي قد نحل وعودي قد ذوى ، والأستقام قد أخذت سبيلها الي ولن ألبث الا قليلاً حتى ألقى الله ، وانكم سترثون البستان والمال والنعم و الشاء ، وأنتم بين خطتين : ان أنفقتم .. فان الله وعد المنفق خلفاً ، وان بخلتم .. فان الله أنذر ممسكاًً تلفاً ، وله فيكم أمرٌ هو بالغة . ولم يمكث الشيخ الا طويلاً حتى لزمته العلة ، وألح عليه السقم ، ثم لفظ آخر أنفاسه ، وفرغ من شؤون الناس والحياة . ومضيت الايام سراعاً ، وتهيأت الحديقة للجني ، ودنت أثمارها للقطوف ، واستشرف الفقراء لنصيبهم في الثمر ، دأبهم كل عام . واجتمع الأبناء يديرون الرأي ، ويعدون شأنهم للحصيد ، قال قائلهم : لم يعد بعد اليوم في البستان حق لسائل أو فقير ، ولم تصبح الخمائل مأوى لقاصد أو ابن سبيل ولكل نصيب يثمره اذا شاء ، اننا لو فعلنا ذلك .. فان شأننا سيعلو ، ومالنا سيزيد . قال أو سطهم __ وكان أقرب الى أبيه نحيزة وجبلة ، وأدنى الى الخير واصطناع الجميل : انكم تقدرون على أمر تظنونه خيراً لكم ، ولكنه يحوي الشر في طياته ، وتحسبونه نفعاً لكم ، ولكنه سيقضي على بستانكم من جذوره ، وانكم لو حرمتم الفقراء وعطلتم حق المساكين ، لا تأمنون منهم شراً واعتمداء ، ويوشك __ لو فعلتم __أن يعلنوها ثورة وعدواناً ، امنحوهم حقهم ، واذهبوا مذهب ابيكم في ارضائكم ، وما فضل بعد ذلك فان الله ينميه ويبارم فيه . ولكنهم صاحوا في وجهه : لا تقترح شيئاً فيما لا تملك ، وكف من نصائحك ولن تجد منا الا آذاناً صماء !! قال : أما اذا رأيتم ألا تسمعوا لقولي ، أو ترعبوا في نصيحي ... فعليكم بلصلاة فانها تنهي عن الفحشاء والمنكر ، وقد ترد كم الي الحق ، وتعطف قلوبكم الي الفقراء ولكنهم ما استمعوا ولا أجابوا . وبيتوا أمرهم عشاء أن يقوموا في عماية اأن ينبلج عمود النهار , ويفارق النوم مضاجع الفقراء ، ويعمدوا الى الحديقة يقطفون ثمارها ، و يوزعون فيما بينهم أنصباءهم منها [ اذ أقسمٌوا ليصرمنٌُها ٌمصبحين ، ولا يستثنون] [القلم : 17_18] . وعلم الله سوء نيتهم ، ودخيلة نفوسهم ، وما انعقد عليه رأيهم من حرمان المسكين وأكل نصيب السائل والمحروم ، فأرسل الى جنتهم طائفاً قلع نبتها ، وأسقط ثمرها ، وجفف أوراقها و أعوادها . وطلع عليهم النهار وهم على أسوار الحديقة يتساءلون : أهذه جنتنا وقد تركناها بالأمس مورقة الشجرة ، جارية الماء ، فواحة الزهر ، دانية القطوف !! ما نظن أن هذه حديقتنا ، واننا لضالون . قال أو سطهم : بل هي جنتكم التي حرمتم منها قبل أن يحرم الفقير وجوزيتم بأسوأ ما يجزى لحز (1) شحيح [ قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبحون ، قالوا سبحان ربنا انٌا كنا ظالمين ، فأقبل بعضهم على بعضٍٍ يتلاومون ، قالوا يا ويلنا إ نُا كنا طاغين ، عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون ] . [ القلم : 28_32 ] ولكن مضى قدر وبقي أسف وليذوقوا عاقبة كيدهم [ كذلك العذابُ ولعذابُ الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون َ] . [القلم:33] . ( الموضوع غير منقول ) |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|