التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
قريبا

بقلم :
قريبا

العودة   منتديات تيرا الحب > الاقسام الادبية > يحكي أنـ ... !

يحكي أنـ ... ! [هـمـس روائـي ] وَ [ قـصـة قصيـره ] وَ أعذب ما مر على الأزّمـان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 07-13-2010, 09:17 AM
واثقة الخطى غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 372
 تاريخ التسجيل : May 2010
 فترة الأقامة : 5101 يوم
 أخر زيارة : 07-24-2018 (04:50 AM)
 المشاركات : 4,954 [ + ]
 التقييم : 4599
 معدل التقييم : واثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond reputeواثقة الخطى has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]
عدد الترشيحات : 2
عدد المواضيع المرشحة : 2
رشح عدد مرات الفوز : 1
شكراً: 1,509
تم شكره 853 مرة في 588 مشاركة
افتراضي خط العنقز ....منقول كالعاده



ضرب مرضٌ وبائيٌّ غريبٌ خمس بلداتٍ صغيرة جدًّا، بيوتها مبنيَّةٌ من التراب، مصطفَّةٌ على خطٍّ واحدٍ بين سهبٍ وترعةٍ، مثل بقعٍ رماديَّةٍ، لا يلحظها المارُّون على الطريق السريع بسهولةٍ، وهي أيضًا غير موضوعةٍ على أيِّ خريطةٍ، يسكن هذه البلدات عددٌ قليلٌ من السكَّان الفقراء المجاهيل المنعزلين، أصابهم الوباء جميعًا ببثورٍ مائيَّةٍ بسيطةٍ، سببتْ لهم حكَّةً، لكنها لم تزعجهم أو تُثِر مخاوفَهم، وقد اعتادوا على أن لا زيارة للطبيب إلاَّ للضرورة القصوى.

أصابتهم البثور، وما مرَّ عليهم يومٌ من بعدها إلاَّ وتساقطوا كجرادٍ تعرَّض لرشٍّ كيميائيٍّ عنيفٍ كثيفٍ، ماتوا جميعًا، وفي ساعةٍ واحدةٍ أو أقلَّ، هذه سقطتْ وقد كانت تعجن، فوقع رأسُها في وعاء العجين، وهذا مات وهو يسقي زرعه، وهذا مات وهو يذرِّي الحبَّ، فانطرح بجانب مذراته، وما بقي هناك إلاَّ عصافير دوريَّةٌ وقططٌ، وبهائم في الحظائر تنادي مُحتجةً على الذين تأخَّروا عن رمي العليق، وكلابٌ تنعى أصحابَها بصوتٍ ذاهلٍ قد استغلق عليها فهم ما حدث.

لم ينجُ منهم إلاَّ بقَّالٌ عجوزٌ يبيع بضائعَ متواضعةً، كالخبز والحلوى واللبِّ والجاز والصابون، اسمه الحاجُّ عارف، غَيْرَ أنه خرف من الصدمة، عندما مرَّ على الموتى حوله في بلدته، ثم في البلدات الأخرى المجاورة، فخرج هائمًا حافيًا حتى وصل إلى الطريق السريع، وأخذ يتلفَّت حوله وهو يبدِّل على ساقيه من حرِّ الأسفلت في شمس الظهيرة، وأخذ يشهق كطفلٍ ضائعٍ يوشك أنْ ينفجر من البُكاء، بين السيَّارات التي تعجَّب رُكَّابها من شيخٍ مسيَّبٍ في الطريق السريع، منهم من تفاداه ومضى، ومنهم من سبَّه، ومنهم من توقَّف يستوضح أمره، فإن سأل عن اسمه، قال: أنا المرحوم الحاج عارف، فقد ظن أنه مات!

وقد كان وحده الذي نقل مشاهدَ لا تُنسى للناس في القرى القريبة، وقد التقطه بعضهم من الخطِّ السريع، بعد أن تجمهر عليه كثيرون: فوزية سقط وجهها في العجين، هكذا، وأخذ الدجاج ينقر في أقراص عجين الخبز الشمسيِّ من خلفها، وعَبَّادي - يا ولداه - وقع في جرن القمح، والعصافير أخذتْ تلتقط الحبَّ من فوق جبهته ومن فمه، ثم إني رأيتُ شهديَّ الصيَّاد، والحوت الذي اصطاده ووضعه على الحجر، قد تسرَّب أمامي إلى الماء، كان قاعدًا في (هيش) الترعة ميتًا، ينظر للدوائر المائيَّة التي أحدثها الحوت الهارب الفرِح، أمَّا جمل الراوي، فعجيبٌ أمره اليوم، جاع بسرعةٍ لا تُعرَف عن الجمل، رأيته من فلق الباب يلوي رأسه ومشفره المضطرب على عنقه، حتى كاد أن يكسره، إلى أن استطاع أن يلتقط الذباذب الصوفيَّة الخضراء التي تزيِّن عنقه، وأخذ يمضغ فيها في قمَّة نهمه.

والولد رجب الهزيل، الذي يصبغ شعره بماء الأوكسجين، كان أمام مدرسة البنات، يجلس في السيَّارة (الجيب) الحربيَّة القديمة الخرِبة، المركونة منذ أكثرَ من ثلاثين سنة، والتي لم يبقَ فيها إلاَّ هيكلها الحديديُّ وإطاراتٌ فارغةٌ، والتي يدَّعي لأصدقائه الغرباء أنَّها سيارته وسيجددها عمَّا قريب، ودلَّل على ذلك بأنِ اشترى لها واقيًا من الشمس للزجاج الأماميِّ، خرج منها وفي يده الكلب الصغير المدلَّل، الذي سرقه من إحدى الاستراحات، وجلس على مقدِّمتها ينتظر خروج البنات من المدرسة، يكشط في البقعة الحمراء العتيقة، لعلها دمُ شهيدٍ، وقبل أنْ أصرخَ فيه وأنبِّهه للموت الذي يزحف، كان قد كُبكِب على وجهه أمام السيَّارة، والكلب الذي راحت أيَّامُ عزِّه، أخذ ينظر إليه من فوق المقدِّمة قليلاً بمشاعرَ مشتَّتةٍ، ثم زحف وتزلَّج من فوقها، وانكبَّ على عظمةٍ صغيرةٍ ووضعها بين فكَّيه، ومضى لا يلوي على شيءٍ، هذا شيءٌ مما رأيت، أمَّا عني أنا، فأظن أنني متُّ على الكرسيِّ في الدكَّان، بعد أن بعتُ للسيِّدة ستيتة لترَ جازٍ.

انتشر خبر الوباء بسرعة البرق، من فمٍ لفمٍ، ومن بلدةٍ لأخرى مجاورةٍ، ولأنه ترك على الوجوه بثورًا مائيَّةً، كتلك التي يتركها العنقز (الجدري المائي)، ولأن الحاجة الإعلاميَّة لتسمية الأشياء هي أعجلُ من الحاجة العلميَّة المتروِّية، لهذا السبب وذلك، سُمِّي الوباء على عَجَلٍ بـ (العنقز)، وسمِّيتِ المنطقة الموبوءة التي تتالت فيها البلدات الصغيرة بين سهبٍ وترعةٍ بـ(خط العنقز)، وما هي إلاَّ ساعةٌ أخرى حتى انتشر الخبر في العالم أجمع عن خطِّ العنقز الغامض، وتحدَّثتْ به وكالات الأنباء، نقلاً عن مصدرٍ موثوقٍ: المرحوم الحاج عارف، وصرَّح مسؤولو الصحَّة الدوليون بضرورة زيارة منطقة الوباء في أسرع وقتٍ؛ لتقصِّي الحقائق، واتِّخاذ التدابير الوقائيَّة اللازمة، فيما نفى المحليُّون وجودَ خطِّ العنقز، وقالوا: إنَّ هذا الخطَّ أبعد وهمًا من الخطوط التي يقرؤها قرَّاء الكف، وإن الخبر لا صرف له مثل عُملة أهل الكهف، تجاهل المترجمون الدوليون هذا السجع الذي لن يفهمه أحدٌ، ويحتاج إلى حاشيةٍ، ونقلوا عن المحليِّين صيغةً مقتصدةً مفادها أن خطَّ العنقز لا وجودَ له.

في الصبح، وبعد أن تمَّ تطعيم كلِّ الحضور، كان المخرج الكبير الذي جاء بطاقمٍ فنيٍّ عالٍ، يستمع للمرحوم الحاج عارف، يشرح له تفاصيلَ المشاهد الرهيبة للموت الجماعيِّ المفاجئ، ويُفصِّل له ممارسات الحياة اليوميَّة هنا، قد تمَّ تكليف المخرج الفذِّ بإعداد العدَّة لتصويرٍ طبيعيٍّ حيويٍّ من البلدات المتتالية في الغد، يُعقَد بعده مؤتمرٌ ينفي وجود الوباء من واقع الزيارة، فاستعان بسكَّان قرى قريبةٍ كمجاميع للتمثيل، عليهم أن يَملؤوا الفراغ الذي خلَّفه الموتى.

ومع التجارب الأوليَّة، التي يتعرَّف فيها لروح المكان، وإمكانات الممثلين غير المحترفين، تَخطَّى حاجة التكليف، وتَمرَّد على الطرح القنوع، من أجل الفنِّ، وخمرتْ في ذهنه فكرةٌ جهنميَّةٌ: قرَّر أن يستعين بالموتى الذين جُمِعوا ووُضِعوا على أرض أحد الأحواش الواسعة؛ ليكونوا جزءًا من المشهد الذي سيتمُّ تأديته في ظهيرة اليوم التالي، وسيُرى غدًا من سيَّارات الزائرين، وعليه غسلوا وجه فوزيَّة من العجين ومسحوه، وربطوا رأسَها بمنديلٍ آخر مطرَّزٍ بدلاً من هذا المنديل الممزق، أمَّا رجب فتصلَّب معهم وثقل في أيديهم جدًّا، كأنه يفضِّل أن يتحطَّم في أيديهم كالخبز الجافِّ، ولا أن يعيد آخرَ ما خَتَمَ به حياته كشابٍّ مغازلٍ، فاحترموا اختيارَه، وجيء برجبٍ حيٍّ نَحيفٍ أيضًا، وصُبِغ شعره بماء الأوكسجين، وأُجلِس على مقدِّمة السيَّارة (الجيب)، وجيء ببنات مدارس، أغلبهنَّ يمضين في حالهنَّ، وبعضهنَّ بأعينٍ زائغةٍ، كما حدَّد المرحوم الحاجُّ عارف، فيما نُصبتْ جثَّة بنتٍ حقيقيَّةٍ في فناء المدرسة في خلفيَّة المشهد، وكانت ترفع العَلَم!

ثمَّ مشهدٌ لمشاجرةٍ بين أسرتين؛ بسبب لعب الأطفال، وثمَّة امرأةٌ طلَّتْ من شبَّاكٍ؛ لتُتابِعَ المشاجرة، وقد رمتْ بجسمها على الشبَّاك رميًا، وقد استشهدتها الجموح الصاخبة، أم أحمد الذي أسال الدم من أنف غريمه من أسفل منها، استشهدتها فيمن بدأ بالخطأ، وبدتِ الشاهدة غير متحمِّسةٍ لشهادة زورٍ، كالتي يضطرُّ إليها الأحياء خوفًا، فقد كانت ميتةً لا تخاف، وهناك أطفالٌ يصيحون من تحت نخلةٍ فرحين بما تَسَاقَطَ إليهم من رطبٍ، ورجلٌ أعلى النخلة كأنه يقطع العَذْق، ويلعبُ الهواءُ بثوبه، وإنه لميِّتٌ، وأطفال يسبحون في الترعة، قريبًا من رجلٍ ميِّتٍ يبدو كأنه يدير طُنبور المياه، وهكذا مشاهد كثيرةٌ عجيبةٌ يشارك فيها الأموات بجوار إخوانهم.

لم يكن ثَمَّة اختلافٌ كبيرٌ بين وجوه الأحياء ووجوه الموتى، فكلُّهم هَزْلَى وشاحبون، غير أنَّ الموتى كانوا أكثرَ اعتمادًا على أنفسهم، وأكثر ثقةً بأنفسهم أمام المخرج وطاقم العمل، فحَثَّ المخرج الأحياء على أن يكونوا غدًا في جدِّيَّة إخوانهم الموتى نفسها، فإن الموتى غير مرتبكين، ولا يَخافون من زوَّار الغد، وغير متواطئين في أداءٍ جماعيٍّ، ورغم هذا الأداء الفرديِّ الذي يغلب عليهم، إلاَّ أنه لا أحدَ منهم يتَّصف بالأنانية ويرغب في سرقة الأضواء، والأهمُّ من ذلك كلِّه: هو ذلك التجاهل البارع في عيون الموتى، عيون الموتى محنكةٌ لا تنظر للكاميرا، فهل من حيٍّ يمكنه أن يتجاهلَ الكاميرا تمامًا؟

ودارتِ الكاميرا مرَّةً أخرى، وتحسَّن الأداء للأحياء شيئًا ما، ثمَّ دارتْ مرةً أخرى فتحسَّن أكثر، وهذه الاستقلاليَّة عند الموتى فتنتِ المخرج إلى حدٍّ بعيدٍ، وأهاجتْ خياله كثيرًا، وفجَّرتْ رغبته في إتقان هذا العمل الغريب حتى بصرف النظر عن الضغط الرسميِّ (الفنُّ من أجل الفنِّ)، وبالفعل، تعظَّم الأداء، وازدادتِ الصورة ثراءً وتفصيلاً وواقعيةً، ولم ينسَ المخرج حتى روائح الطبخ المنبعثة من البيوت، وتصريف مياه الغسيل، والسجائر التي يشربها (القصَّر) خلسةً في الزوايا الجانبيَّة، وميعادًا حميمًا عند أعواد قصب السكَّر بين ميتٍ وميتةٍ، قد اعترض المرحوم الحاجُّ عارف عليه، ولكن المخرج لا يستطيع أن يتغلَّب على عاداته الفنيَّة.

وفي التمرين النهائيِّ (البروفة) - وبكلِّ اتِّقادٍ - بان أنَّ المخرج قد شكَّل بالفعل جماعةً حماسيَّةً وحيويَّةً من الأحياء والموتى لا نظيرَ لَهَا؛ للدفاع عن سُمعة البلد، أو لتأكيد براعته، حتى إنَّه من فرط ثقته تمنَّى أن تمرَّ سياراتُ المسؤولين الدوليين والمحليين ببطءٍ شديدٍ حينما تمرُّ؛ فخسارةٌ كبيرةٌ أن يُشاهَد هذا العمل الذي يحمل أدقَّ التفاصيل، والذي يصعُب التفريق فيه بين الأحياء والأموات، من خلف زجاج سيَّاراتٍ مسرعةٍ أثارتِ الغبار.

وقد اندمج الأحياء المجاميع في العرض تمامًا، واختلطوا بالموتى الذين كانوا على أفضل درجةٍ مُمكنةٍ من الإقناع؛ بسبب خليطٍ رائعٍ من قوَّة الخيال، وصنعة (الماكياج)، والدعم الفنِّيِّ الذي منح الموتى أدواتٍ للحركة إن تطلَّب الأمر ذلك، كهذا الذي يَبدو وكأنَّه يُدير الطنبورَ، أو هذا الذي يَبدو من بعيد ماضيًا خلف الثور الذي يَحرث أرضَه، وذَهب عن الأحياء المجاميع هذا الخطُّ الحيويُّ الفاصل بينهم وبين زملائهم الموتى، حتى إنَّ بعضهم قد قلق على نفسه، وظن أنَّه ربَّما من الأموات الذين سيُجمعون بعد هذا العرض في الحوش، مثلما تُجمع عرائس الخشب بعد انتهاء العرض، وتُركن في عالم السكون والعتمة، ولَمَّا نادى المخرج في مكبِّر الصوت، ونقلتِ السمَّاعات نداءه في كلِّ البلدات الخمس، نادى راضيًا شاكرًا بإيقاف العمل اليوم، ودعاهم لعشاء الكباب الذي لم يذوقوه من قبل، جُرُّوا باتجاه الموائد العامرة، فرحين بالطعام الشهيِّ، وفرحين؛ لأن جريَهم إلى الطعام كان حدًّا فاصلاً بينهم وبين الموتى، الذين لم يبرحوا مواقع التصوير في البلدات الخمس، لقد أكَّد لهم جريُهم للطعام أنَّهم أحياءٌ يُرزَقون.

المرحوم الحاجُّ عارف وحدَه قد تردَّد وقتًا ما، بين أن يذهب للكباب أو يمكث بين الموتى، حتى قام له اثنان، ومضى بينهما إلى الطعام، ولَمَّا أكل الكباب لأوَّل مرَّةٍ بعد ثمانين عاشها في الفول والعدس والكرَّاث، أيقن أنه حيٌّ وشُفي من وسواسه، وتوقَّف أخيرًا عن سؤاله المتكرر للمخرج: متى - إن شاء الله - سيتمُّ غُسْلي؟

أَكَل المخرج بينهم قليلاً، ثم وضع منشفته على منكبيه، ومضى يدندن وخلفه مساعده الشابُّ، وتوجَّه لمضخة ماءٍ (طلمبة) عندها امرأةٌ من المجاميع، فضخَّتْ له المياهَ؛ ليغسلَ يديه وفمه، فقال لمساعده متباهيًا بصنعته في الناس: أَحَيَّةٌ هذه أم ميتةٌ؟

صدقت يا عبقري، لقد جعلت التمييزَ صعبًا، فعشنا ورأينا ما لم نره من قبل، الموتى يُمارسون حياةً طبيعيَّةً كانت حَكَرًا على الأحياء.
قهقه المخرج، ثم قال: يا منافق، ألم يصوتوا في الانتخابات من قبل؟!

وقفز إلى الأرجوحة الشبكيَّة التي نُصِبتْ له بين شجرتين، وقد أخذ كلب رجب في حضنه، وجد فيه الكلبُ عزاءً وترضيةً عن أيَّام الجوع والحرمان التي عاناها مع رجب، ووعدًا بحياة تصل ما انقطع، وأخذ يَمسح وجهه فيه، كطفلٍ ينعم في حضن أبيه العائد بعد غيبةٍ، وشرد المخرج في حياة الأضواء التي عاشَها طيلة عمره، حتى تبدَّى على عينيه لمعةٌ وسنَا من الأُنسِ والتذكُّر والرضا، لمعةٌ تختزل عمرًا من التصفيق والجوائز والدروع والفلاشات، حتى ثبتتْ هذه اللمعة بصورةٍ غريبةٍ على عينيه طيلة الليل.

مع ضوء الفجر اللطيف وضبابه وبرده، وفيما كان الكلب نائمًا في بلهنيَّةٍ في حضن آخر أصحابه، وفيما لا زال رجلٌ على جذع الشجرة يقطع العَذْقَ، ولا أطفالَ من تحت النخلة يَجمعون، وآخر يدير الطنبور بلا كللٍ، ولا صِبْيَةَ حوله يسبحون، وفوزية على عجين الخبز منكبَّةٌ، والتلميذة الميِّتة ترفع العَلَم، وامرأةٌ تطلُّ من الشبَّاك على مشاجرةٍ قد انفضتْ منذ عشر ساعاتٍ، أضاء مساعدُ المخرج المصباحَ القويَّ وصوَّبه ناحية المخرج؛ ليوقظه، وصعد إلى الكاميرا العالية وأدارها تجاهه مُداعبًا، وساقها إليه بين الشجرتين وهو يراه مفتوحَ العينين لا يَحفل بوجوده وندائه الخفوت، وأخذ يضبط عدسةَ الكاميرا؛ حتى يقرِّب صورة المخرج، حتى قرَّبها كثيرًا إلى عينيه وقد باتت فيهما اللمعة منذ الليل، بدتِ العينُ كبيرةً جدًّا وشعيراتُها الدموية نافرة، ولونها العسليُّ زاعقًا، ونملةٌ تَمشي عليها بغير أن ترمش، كانت عينه محنكةً لا تنظر للكاميرا.




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يوم مع الشيطان ....... منقول للامانه واثقة الخطى يحكي أنـ ... ! 5 10-30-2011 05:10 AM
استضافة كاملة مجانا لمدة سنة فقط 25 موضوع حصري غير منقول في اختصاص المواقع و تطويرها نديم الروح حصريات 0 06-24-2011 03:00 PM
اسلام بلا وطن ،،،،،منقول واثقة الخطى همس القوافي 2 07-02-2010 08:33 PM
سابع السبعةأستوقفني !! ....منقول للامانه واثقة الخطى الحبيب رسولنا الكريم 1 06-25-2010 03:46 AM
من يمسح دمعتك منقول جروح جروح انسان خـط النقاش والحوار 3 09-02-2009 11:32 PM

تصميم و وتركيب انكسار ديزاين

الساعة الآن 08:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ , ولا تعبّر بأي شكل من آلأشكآل عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى