عرض مشاركة واحدة
قديم 08-14-2014, 11:50 AM   #6


الصورة الرمزية quiet rose
quiet rose غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4134
 تاريخ التسجيل :  Sep 2013
 أخر زيارة : 06-28-2022 (11:19 PM)
 المشاركات : 3,499 [ + ]
 التقييم :  6991
 معدل التقييم : quiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond reputequiet rose has a reputation beyond repute
 مزاجي
 SMS ~
يهونهآ آلكريم من فوق سآبع سمآ..ّ!
لوني المفضل : Darkorchid
عدد الترشيحات : 8
عدد المواضيع المرشحة : 7
رشح عدد مرات الفوز : 4
شكراً: 1,687
تم شكره 1,816 مرة في 1,191 مشاركة
افتراضي رد: لاشي في السماء ..روضة السالمي~



تؤلمك القهقهة المجنونة. تثقب جدار رأسك... وفي الليل حين ينضب السوق من سيل المارين والمشترين والباعة. وتغلق الحوانيت أبوابها. وتتراقص القطط والكلاب السائبة على أكوام القمامة. وحده يبقى علولو مستندا إلى دكان المنوبي المحروق يقهقه في وجه السماء.. في وجه جرحك.. في وجه فكرك الموبوء.. في وجهك الذي طلقته الملامح..

تنظر في صمت داخل نفسك.. فلا تجد شيئا في سمائك.. لا تجد شيئا البتة.. تشيح بنظرك بعيدا عن شرفتك العمياء.. غير أن الصور تلتصق بالذاكرة..

تزحف رائحة الملوخية من الزجاج الموصد.. تأتي قادمة من دار عم الزيتوني. تعرف أنهم لا يطبخون الملوخية بالكرشة إلا في المناسبات السعيدة.. تفكر إن كان هنالك من مناسبة سعيدة في الأفق.. وتتفادى لا شعوريا البحث في داخلك عن معنى السعادة.. تكتفي بملء صدرك بالرائحة.. رائحة السعادة بالكرشة والملوخية..

تفكر أن عم الزيتوني قد يكون تحصل أخيرا على بطاقة معاق.. تحسده في سرك. سيتمتع بالعلاج وركوب الحافلة بالمجان.. والمنحة التي يوزعها العمدة أول كل شهر.. وبالخصوص سيتمتع بالأكل على موائد الإفطار.. وتعرف كم ستتألم مبروكة من ذلك.. وكم ستبكي.. وكم ستدعو الله كي يأخذ لها حقها من الجميع.. مبروكة ذات الستين خريفا.. التي قطعت رجلها في حادث سقوط الوكالة منذ خمس عشر عاما.. ولم تحصل بعد على التعويض.. تعرف أنها ستحسده من كل قلبها. كما تفعل أنت الآن.. غير أنك تحسده لأنه ليس لديك شيء آخر لتفعله..

تتساءل في داخلك.. هل كان عليك أن تولد هنا.. في هذه الجحور الموبوءة.. تشتاق للخروج للشمس. لرؤية البحر الذي سمعت عنه. ذلك البحر الذي بالألوان.. تشتاق لرؤية السماء والنساء.. تلعن الزجاج الذي يمنع دخول صور أكثر إشراقا وهواء نظيفا.. هواء يصل إلى صدرك دون المرور عبر أدران المدينة..

تزحف نحو الباب الموصد دائما.. صوت السرير المتأرجح يصر على ذبحك في اليوم ألف مرة.. وككل مرة تنظر من ثقب المفتاح.. نفس اللعبة المعادة.. صوت التصاق الأجساد وتفرقها.. نفس اللهاث.. لهاثهما ولهاثك.. ونفس الحمى.. هل هي المرة الخامسة منذ الصباح.. تفكر أنها ستتعب.. سيأتي يوم تتحول فيه إلى متسولة.. وستأخذك معها.. حينها يمكنك أن ترى السماء.. وتلمس التراب بأصابعك.. وترى أشياء أخرى غير هذا السوق وهذا الحائط الذي يكاد ينهار..

تتساءل للمرة المليون هل صحيح أنها تفعل ذلك من أجلك.. لا ترى من خلال الثقب تعابير وجهها.. تتمنى لو تسمعها في الليل تبكي.. لو تجيء يوما لتبكي على صدرك.. لكن لا شيء.. لا شيء في داخلك.. لا تسمع سوى همهمات النشوة.. سوى السعال أو الكلمات النابية والضحكات الصفيقة.. ولا تشم سوى رائحة العرق والمني.. ورائحة أوراق النقود.. ولا تتذوق سوى الحساء باللحم والخضر.. اللحم الذي يشتهيه نصف سكان الحي.. ويأتيك بين يديك لحما جاهزا.. لحما رخيصا.. وتأكله وأنت تبكي في داخلك.. لكنك تأكله..

تزحزح نظرك المنكسر عن الثقب.. تزحف في صمت إلى حيث تنام.. إلى حشيتك المهترئة على البلاط بالأبيض والأسود.. إلى الوعاء الذي تقضي فيه حاجتك.. تجر بجهد جسمك المرتخي.. وترتمي متعبا وبلا انتظام على الحشية.. تخفي لهاثك في صدرك المتعب.. ترفع بصرك إلى الجداران التي تحيطك.. تتلهى بعد الأماكن التي نخرتها الرطوبة.. غرفتك رمادية.. تشبه سماء هذا اليوم الكئيب.. ككل أيامك.. تلك التي مضت.. وتلك التي ستأتي..

لم تمطر بعد.. وماذا لو أمطرت.. لا شيء يتغير.. كل شيء جامد.. كسيح ومهمل.. مثلك.. مثلك تماما.. تحس السماء ثقيلة. توشك على الانفجار.. كبغي تستعد للولادة.. سماء من صديد أو قصدير.. تنظر إلى زجاج الشرفة. من خلال الستار الشفاف المهترئ ترى ضجيج باب الفلة.. ضجيجه اليومي المعاد.. وتسمع احتكاك الثياب المستعملة والخضر المتعفنة في القفاف المهترئة.. وتلمس نظرة هامسة تشتهي تفاحة لا تعرف شكلها أو مذاقها..

من خلال تعرجات زهرة مرسومة على الستار ترى يد امرأة تسرق بعض اللفت من عربة مارة.. لا ينتبه لذلك أحد سواك.. وتعتقد في داخلك أن الله أيضا لا ينتبه.. بعض الأطفال يقرعون سطلا كسر قعره.. آخرون يدخنون عقب سيجارة لم تنطفئ بعد.. والنهج ضيق.. ضيق كأنفاسك.. كصدرك.. ككل أيامك.. ترتطم نظرتك بالجدار المقابل.. فتعود بإصرار ترصد المارة..

ترى وسيلة.. وسيلة قحبة الحي الثانية... تحمل في يدها صرة ثياب.. تعرف أنها ستذهب اليوم إلى الحمام.. وستأتي بعد ذلك إلى هنا.. وستشم أنت رائحة التبغ والقهوة والرجال.. وتعرف أيضا أنك ستمارس استمنائك الذهني خلف ثقب المفتاح.. وستتمنى لو تراها تعانق أمك.. وستتمنى لو تعانق أنت جسد أمك. وتستبد الرغبة بجسدك المصلوب على ثقب الباب.. وستتمنى لو تستطيع كسر الباب أو إصدار أي صوت.. وأن يتوقف الكون كله عن الدوران.. وستطلب الموت الذي لا يأتي.. وستتمنى لو تموت أمك.. لو ينتهي كل شيء دفعة واحدة.. وستخجل من أمنياتك.. لكنك ستستمر في تخيل عناقك مع أمك.. أو مع وسيلة.. أو معهما.. ولن تخجل من السماء التي في داخلك..

قهقهة علولو تخرجك من ضيقك.. من ثقبك الضيق.. إلى غرفتك الأكثر ضيقا.. غرفتك الضيقة بك.. وبما في داخلك.. وبصمتك.. يمر علولو بشكله الفوضوي.. يدخل ظله من ثقوب الستار الذي يغطي زجاج شرفتك.. ويمضي بعيدا مقهقها في وجه السماء التي لن تمطر اليوم أيضا.. تزحف أصابعك على ما أمكن من جسدك.. تعرف أنه عليك أن تنسى.. أن تنسى جسدك إلى حين..

من ثقوب الستار ترى محرزية بائعة الملسوقة ذات الخمسين ربيعا تغازل علنا ال****ي الفحام.. وتبتسم له بأسنانها النخرة.. التي أنهكها التبغ الرخيص.. تعرف كل قصص الحومة. من دون أن تخرج للشارع.. فقط يكفي أن تسمع ما يدور في حجرة أمك.. الحومة طنجرة وأمك ملعقتها.. كما يحلو لها أن تردد دائما.. وأنت ما التصق بالقاع.. كما تقول أنت دائما في داخلك.. أنت ما يعلق بقعر الأشياء.. أنت ما لا يمكن استعماله.. أبدا.. لا شيء في سمائك هذا اليوم.. لا جديد في الأفق.. أفقك.. ولا أفق لك.. لا اليوم.. ولا غدا.. ولا الأمس.

تسمع بابك الموصد يفتح.. تدخل أمك.. تفوح منها رائحة لم تألفها روحك بعد.. أو لا تحب أن تألفها.. تحمل في يدها طبق طعامك.. تضعه قربك أرضا.. تسوي جسمك المستلقي بلا ترتيب على الحشية المهترئة.. تضع وسادة خلف ظهرك.. تسندك إلى صدرها.. فتضغط أنت على الصدر أكثر.. وتتمنى للحظة خاطفة لو تبقى هكذا إلى الأبد.. لو تبقى ملتصقا بصدر أمك.. لولا رائحتها التي تتغلغل في أحشائك.. لولا هذه الرائحة التي ترفضها كل حواسك..

تبعدك عنها في رفق.. وكأنها تفهمك.. تهمس لك أشياء لا تفهمها.. أو لا تريد أن تفهمها.. لأنك فقط تحب أن تسمع الصوت الخارج من صدرها الذي أنهكته السجائر.. أن ترى حركة شفتيها.. تحدثك بأشياء تحفظها عن ظهر قلب.. تمسح على وجهك.. تدخل أصابعها في شعرك المجعد.. تعدك أن تحميك في المساء.. أن تدلكك جيدا بالماء الساخن والصابون والليفة..

تخرج خرقة من جيب ثوبها.. تنظف أنفك من بقايا مخاط.. تمسح خيط اللعاب الذي يسيل على ذقنك.. تنظر في أذنيك.. وتسندك جيدا إلى الوسادة.. تمسك بيدها وعاء الحساء بالخضر واللحم الذي أدمنته منذ صغرك.. لأنك ستبقى دائما صغيرا.. ولأنك لا تستطيع أكل شيء غيره..

تناولك الحساء الذي من لحمها.. وتحمل بيدها الملعقة إلى فمك.. تعرف أنك تستطيع بقليل من الجهد أن تأكل بمفردك.. لكنها تحب أن تفعل ذلك.. تحب أن تبقيك دائما طفلها المدلل.. طفلها الذي إن تركته لنفسه سيموت لا محالة.. وتستطيع أنت أن تأكل بمفردك.. غير أنك تحب أن تتلهى بلمس وجهها المتعب وهي تطعمك.. تتلمسه وكأنك تراه للمرة الأولى.. أو كأعمى يحب أن يطبع الشكل في ذاكرته.. تتلمسه وكأنك تبحث عن بقايا الرجال الذين مروا من هناك.. الذين امتلأت بعريهم عينيها.. وتستسلم لكل حنانها.. عائدا إلى الرحم الأول.. الحضن الأمين الدافئ.. يقطع عليك طعامك صوت القهقهة.. يأتيك مدويا.. غير أنك لا تحب أن تخرج من هذا الحضن.. ترفض حواسك الاهتمام بشيء آخر سوى هذا الإحساس بالامتلاء.. للمرة الألف منذ الصباح يطلق علولو قهقهته.. في سيره المكوكي من أول النهج إلى آخره.. وللمرة الألف تتساءل إن كانت لا تبكي وحدها في الليل كما تفعل أنت دائما.. رغم أنه لا شيء في سمائك.. ولا مطر في الأفق.. وتتلهى بمضغ ألمك مع حساء الخضر المسلوقة.. بينما تنظف أمك لعابك السائل على ذقنك.. ذقنك التي لن تنبت الشعر أبدا..




 
 توقيع : quiet rose

`.. đяeαм - life ..~

هبووشه


رد مع اقتباس